يمكن وصف الكتاب بأنه محاولة لإعادة بناء رؤية متكاملة للصين في المخيلة العربية، من خلال تتبع مسار العلاقات الصينية العربية عبر التاريخ، وفي سبيل ذلك يصحبنا المؤلف في جولة منذ أقدم العصور في كتب التراث العربي والصيني، التي ظهرت بها -قَصْدًا أو عَرَضًا- تجليات التبادلات بين العرب والصينيين، على كافة المستويات الثقافية والاقتصادية والسياسية. وهي فترة مجهولة تماما لدى القارئ العربي، الذي لا يعرف سوى أقل القليل عن ماضي الحضارة الصينية، بل وحاضرها. ويقع الكتاب في 274 صفحة من القطع الكبير.ويرصد د. أحمد السعيد، المترجم والخبير في الشأن الصيني، عبر صفحات هذا الكتاب، نشأة العلاقات بين الصين والعرب قبل الإسلام بقرون بطريقة غير منتظمة، ثم كيف تطورت وازدهرت إلى علاقة منتظمة قبيل ظهور الإسلام، واستمرت بعد ظهوره، حتى لعبت المدن العربية دورًا كبيرًا في الإشراف على خطوط التجارة التي ربطت المنتجات الصينية بالعالم كله، قبل قرون من ظهور الإسلام. فالتجارة هي بداية التعارف بين العرب والصين.ويتوقف الكتاب عند لحظات الذروة في العلاقات العربية الصينية، مثل فترة أسرة هان (202 ق.م-221م)، التي أوفدت بعثات إلى المناطق الغربية (بلاد العرب)، وقد وصلت البعثات إلى بضع عشرة بعثة، يتراوح عدد أعضاء كل منها ما بين مائة شخص إلى مئات الأشخاص بوصفهم تجارًا ومبعوثين. وكذلك مثل الفترة ما بين عامي 960 و1280م، حيث بلغ عدد السفارات العربية إلى الصين خلالها حوالي عشرين سفارة؛ وهدفت لتوطيد العلاقات مع الصين، وهي فترة تمتد سياسيا عند العرب من حكم الأمويين -المذكورين في السجلات الصينية باسم (بايي دااشي) أي العرب ذوو الملابس البيضاء- إلى حكم العباسيين -الذين يُذكرون في السجلات الصينية باسم (خايي دااشي) أي العرب ذوو الملابس السوداء- ما يعني أن ذلك الاتصال السياسي هو استراتيجية عربية عليا لا تتأثر بتغير الأسرة الحاكمة، ما أدى لبناء أكبر شبكة تجارية في البر والبحر عرفها العالم، نمت وازدهرت عبرها مدن وموانئ، وتأسست على علاقات الاحترام الذي بني على الثقة بين الطرفين.كما يتوقف الكتاب بالفحص والتحليل للحظة ذروة أخرى امتدت لقرن كامل، أسماه المؤلف: القرن الخطر، وهي المائة عام الواقعة بين عامي 1250 و1350م، والتي شكلت نقطة تحول أساسية في تاريخ العالم، مثَّلت توازنًا دقيقًا بين الشرق والغرب، وكانت احتمالات اختلاله لصالح أحد القطبين متعادلة. فيومها كان الشرق الأوسط، تلك المنطقة التي تصل البحر المتوسط بالمحيط الهندي، هو المجال والعمق والمحور الذي يقوم عليه التوازن بين الشرق والغرب، ولذا ما كان ممكنًا آنذاك التنبؤ بالنتائج المحتملة لأي تنافس بينهما، ومن هنا كان مهمًّا جدًّا الوصول إلى فهم دقيق لما جرى خلال ذاك القرن الخطر. فخلال تلك الحقبة ساد نظام للتجارة الدولية بعيدة المدى ما بين شمال غرب أوروبا والصين، مُحدِثًا ازدهارًا ومنجزات تقنية بارزة.ولا يكتفي المؤلف بالحديث عن ماضي العلاقات العربية الصينية، ولكن رؤيته تمتد لحاضرها وتتطلع إلى مستقبلها الواعد بالفرص لتعاون ثنائي طويل الأمد، يقوم على أساس السلام والتنمية، في مواجهة الهيمنة الغربية. وكان أبرز تجليات هذا التعاون هو دعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى تشارك الجانبين الصيني والعربي في بناء الحزام والطريق، حتى ترتقي العلاقات الصينية العربية إلى مستوى تاريخي جديد.وفي النهاية، يخلص المؤلف د. أحمد السعيد، إلى أن الاتحاد العربي الصيني، والتعاون المشترك بين الحضارتين، كان أقوى في مقاومة محتكري التجارة والراغبين في السيطرة عليها.
تعليقات مضافه من الاشخاص
اشترك في قائمة الاصدارات لمعرفة احدث الكتب والعروض
تاكيد الدفع بالبطاقة الائتمانية
برجاء الضغط علي موافق ليقوم الموقع بتحويلك لبوابة الدفع الالكتروني
يمكن وصف الكتاب بأنه محاولة لإعادة بناء رؤية متكاملة للصين في المخيلة العربية، من خلال تتبع مسار العلاقات الصينية العربية عبر التاريخ، وفي سبيل ذلك يصحبنا المؤلف في جولة منذ أقدم العصور في كتب التراث العربي والصيني، التي ظهرت بها -قَصْدًا أو عَرَضًا- تجليات التبادلات بين العرب والصينيين، على كافة المستويات الثقافية والاقتصادية والسياسية. وهي فترة مجهولة تماما لدى القارئ العربي، الذي لا يعرف سوى أقل القليل عن ماضي الحضارة الصينية، بل وحاضرها. ويقع الكتاب في 274 صفحة من القطع الكبير.ويرصد د. أحمد السعيد، المترجم والخبير في الشأن الصيني، عبر صفحات هذا الكتاب، نشأة العلاقات بين الصين والعرب قبل الإسلام بقرون بطريقة غير منتظمة، ثم كيف تطورت وازدهرت إلى علاقة منتظمة قبيل ظهور الإسلام، واستمرت بعد ظهوره، حتى لعبت المدن العربية دورًا كبيرًا في الإشراف على خطوط التجارة التي ربطت المنتجات الصينية بالعالم كله، قبل قرون من ظهور الإسلام. فالتجارة هي بداية التعارف بين العرب والصين.ويتوقف الكتاب عند لحظات الذروة في العلاقات العربية الصينية، مثل فترة أسرة هان (202 ق.م-221م)، التي أوفدت بعثات إلى المناطق الغربية (بلاد العرب)، وقد وصلت البعثات إلى بضع عشرة بعثة، يتراوح عدد أعضاء كل منها ما بين مائة شخص إلى مئات الأشخاص بوصفهم تجارًا ومبعوثين. وكذلك مثل الفترة ما بين عامي 960 و1280م، حيث بلغ عدد السفارات العربية إلى الصين خلالها حوالي عشرين سفارة؛ وهدفت لتوطيد العلاقات مع الصين، وهي فترة تمتد سياسيا عند العرب من حكم الأمويين -المذكورين في السجلات الصينية باسم (بايي دااشي) أي العرب ذوو الملابس البيضاء- إلى حكم العباسيين -الذين يُذكرون في السجلات الصينية باسم (خايي دااشي) أي العرب ذوو الملابس السوداء- ما يعني أن ذلك الاتصال السياسي هو استراتيجية عربية عليا لا تتأثر بتغير الأسرة الحاكمة، ما أدى لبناء أكبر شبكة تجارية في البر والبحر عرفها العالم، نمت وازدهرت عبرها مدن وموانئ، وتأسست على علاقات الاحترام الذي بني على الثقة بين الطرفين.كما يتوقف الكتاب بالفحص والتحليل للحظة ذروة أخرى امتدت لقرن كامل، أسماه المؤلف: القرن الخطر، وهي المائة عام الواقعة بين عامي 1250 و1350م، والتي شكلت نقطة تحول أساسية في تاريخ العالم، مثَّلت توازنًا دقيقًا بين الشرق والغرب، وكانت احتمالات اختلاله لصالح أحد القطبين متعادلة. فيومها كان الشرق الأوسط، تلك المنطقة التي تصل البحر المتوسط بالمحيط الهندي، هو المجال والعمق والمحور الذي يقوم عليه التوازن بين الشرق والغرب، ولذا ما كان ممكنًا آنذاك التنبؤ بالنتائج المحتملة لأي تنافس بينهما، ومن هنا كان مهمًّا جدًّا الوصول إلى فهم دقيق لما جرى خلال ذاك القرن الخطر. فخلال تلك الحقبة ساد نظام للتجارة الدولية بعيدة المدى ما بين شمال غرب أوروبا والصين، مُحدِثًا ازدهارًا ومنجزات تقنية بارزة.ولا يكتفي المؤلف بالحديث عن ماضي العلاقات العربية الصينية، ولكن رؤيته تمتد لحاضرها وتتطلع إلى مستقبلها الواعد بالفرص لتعاون ثنائي طويل الأمد، يقوم على أساس السلام والتنمية، في مواجهة الهيمنة الغربية. وكان أبرز تجليات هذا التعاون هو دعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى تشارك الجانبين الصيني والعربي في بناء الحزام والطريق، حتى ترتقي العلاقات الصينية العربية إلى مستوى تاريخي جديد.وفي النهاية، يخلص المؤلف د. أحمد السعيد، إلى أن الاتحاد العربي الصيني، والتعاون المشترك بين الحضارتين، كان أقوى في مقاومة محتكري التجارة والراغبين في السيطرة عليها.