الإفريقي جان ماري غوستاف لوكليزيو أغنية بروتانية الطفل والحرب•ثلاث مدن مقدسة

الإفريقي

غير متاح

الكمية

حكاية صغيرة، مجرد حكاية. كيف لى أن احتفظ بأثرها كما لو كانت عضات النمل التى برأت لا تزال محسومة، كما لو أن ذلك كله وقع بالأمس؟ لا شك يمتزج هذا بالأسطورة، بالحلم. تحكى أمى أنه قبل مولدى، كانت ترتحل على حصان غرب الكاميرون حيث كان يعمل أبى طبيباً متنقلاً. وفى الليل خيما فى أكواخ للمسافرين، مجرد أكواخ بسيطة من فروع الشجر والسعف على طرف الطريق حيث علقا سريرهما. وذات مساء جاء الحمالون لإيقاظهما. كانوا يمسكون بمصابيح مشتعلة، ويتكلمون بصوت خفيض، واستحثوا أبى وأمى للنهوض. عندما تقص أمى ذلك، تقول إن الصمت فى كل مكان، فى الجوار، فى الغابة كان هو من نبهها أولاً ثم وشوشة الحمالين، وبمجرد نهوضهما، رأت على ضوء المصابيح، طابور من النمل (النمل الأحمر نفسه يحيط به المقاتلون) خرج من الغابة وشرع فى عبور الكوخ. طابوراً، بالأصح نهراً عميقاً، يتقدم ببطء، دون توقف، دون قلق من العوائق، مباشرة إلى الأمام، كل نملة ملحومة فى الأخرى، ينهش ويحطم كل شئ فى طريقه. كان أمام أبى وأمى وقتاً لجمع متعلقاتهما فقط، الملابس، الطعام والأدوية. وفى اللحظة التالية، انساب النهر المظلم عبر الكوخ. كم من المرات سمعت أمى تروى تلك الحكاية؟ إلى الحد الذى جعلنى أشعر أن هذا قد جرى لى، أن أمزج النهر الناهش بإعصار النمل الذى كان قد هاجمنى، حركة دوران الحشرات من حولى لا تغادرنى، وبقيت محصوراً فى حلم، أسمع الصمت، صمت حاد، نافذ، أكثر رعباً من أى ضجيج فى العالم، صمت النمل.

تعليقات مضافه من الاشخاص

كتب لنفس المؤلف