ولد في مدينة المرج محافظة القليوبية سنة 1894.حفظ الطفل محمد القرآنَ الكريمَ بالكتّاب وتعلم فيه القراءة والكتابة، ثم انتقل إلى القاهرة ليتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة النحاسين، ومن ثم التحق بالمدرسة الخديوية الثانوية، وتسبب اهتمامه وشغفه بالأدب والشعر في رسوبه في السنة الثالثة من المرحلة الثانوية سنة 1912، الأمر الذي جعله يترك الانتظام في الدراسة، مفضلاً الدراسة المنزلية التي وفرت له الوقت لقراءته الحرة واطلاعه على الأدب، فضلاً عن التواصل مع أدباء عصره.وفي تلك الفترة تعرف على الأديب الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي، الذي وجهه إلى قراءة أهم مصنف نشأ عليه أدباء عصره كالبارودي وشوقي وغيرهما، وهو كتاب «الوسيلة الأدبية»، الذي يجمع بين دفتيه المحاضرات التي ألقاها الشيخ «حسين المرصفي» على طلبة «دار العلوم» في أول انشائها، وتعد «الوسيلة» أول كتاب في تدريس الأدب والنقد، على طريقة جديدة في القرن التاسع عشر مهدت بعد ذلك لما استحدث من طرائق في القرن العشرين، ووجد فيه السوربوني بُغيته؛ حتى أنه قال: «إن الوسيلة أغنته عن كتب البلاغة كلها».كما تعرّف الفتى محمد صبري في تلك السن المبكرة على الشاعر الشهير حافظ إبراهيم، وتوطدت علاقته به، وكذلك تعرف على الشاعرين العراقيين صدقي الزهاوي وعبد المحسن الكاظمي، الأمر الذي يسَّر له أن يصدر في عام 1910 – وهو لم يزل طالباً في المرحلة الثانوية – الجزء الأول من كتابه «شعراء العصر» بمقدمة للأديب مصطفى لطفي المنفلوطي، ثم أتبعه بالجزء الثاني في عام 1912 بمقدمة للشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي، ترجم فيه لعدد من شعراء عصره، وأثبتَ فيه قصائد غير موجودة في دواوينهم، وأرَّخ لكل قصيدة بتاريخ نشرها.وفي العام التالي 1913 نجح محمد صبري في امتحان «البكالوريا» من المدرسة الخديوية (منازل)، ثم قرر السفر في عام 1914 إلى فرنسا لاستكمال دراسته الجامعية على نفقته الخاصة، فنزل أولاً عند أسرة فرنسية في ليون، وتعلم منهم الفرنسية وأتقنها، ثم التحق بجامعة السوربون، وحصل منها على ليسانس الآداب في التاريخ الحديث، ثم على دكتوراه الدولة في الآداب من نفس الجامعة عام 1924، وكان أول مصري يحصل على هذه الشهادة فلقب بالسوربوني.المؤسف في مسيرة الدكتور محمد صبري أنه لم يُمكًّن من التدريس في الجامعة، وقوبلت بالجحود كل جهوده العلمية ودوره الوطني الكبير في حفظ تاريخ الأمة وتاريخ أدبها المعاصر؛ ربما لاعتداده بنفسه، واستقلاله برأيه، وعلى الأرجح أن هذا هو السبب وراء أنه شغل عدة وظائف صغيرة كان آخرها قبل قيام ثورة يوليو مديرا لمعهد الوثائق والمكتبات سنة 1951 بقرار من طه حسين وزير المعارف وقتها، وبعد ثورة يوليو قررت لجنة التطهير فصله من وظيفته في ديسمبر سنة 1952 ضمن حملة تطهير الجهاز الحكومي، لكن القيادة سرعان ما راجعت موقفها المتشكك فيه واستعانت به في إعداد أبحاث وكتب عن السودان ثم عن قناة السويس وقدره جمال عبد الناصر عليها.كان المؤرّخون يركزون في عهد محمد علي، وما بعده على أن البطل أو القائد أو الوالي هو محور التاريخ، لكن نظرية الفرد البطل بدأت تتهاوى من بعد ثورة الشعب المصري في العام 1919، حيث بدأت «تحوّلات الكتابة التاريخية في مصر المعاصرة»، وزادت وتيرتها مع تحوّل الجامعة المصرية من أهلية إلى حكومية، فشهدت عملية التأريخ لمصر الحديثة والمعاصرة تحوّلات منهجية أكاديمية كان لها الأثر البالغ في إعادة قراءة وتقديم التاريخ المصري الحديث، ولا شك أن «السوربوني» كان من أوائل المؤرخين المؤهلين علمياً الذين عملوا جاهدين على ذلك النوع من التأريخ الذي يركز على دور الشعب الفعال في التاريخ المصري.كتب «السوربوني» أول كتبه التاريخية بناء على طلب من سعد زغلول حين عمل معه السوربوني سكرتيراً للوفد المصري في باريس، وحدثه عن ضرورة إعادة كتابة التاريخ المصري الحديث بطريقة علمية وأكاديمية، فقال له سعد زغلول: «وهو أنا اللي ها اكتبه يا فالح، شد حيلك أنت وابتدئ»، فوضع كتابه الأول عن «الثورة المصرية من خلال وثائق حقيقية وصور التقطت في أثناء الثورة»، الذي كتبه بالفرنسية وما زالت أحداث ثوره (1919) مشتعلة ولم يخمد أوارها بعد.وكان «السوربوني» في هذا الكتاب صاحب رسالة وطنية أكثر منه مؤرخاً حيث كان كل همه وجل اهتمامه ينصب على ضرورة أن يطلع الرأي العام الأوروبي على فظائع السياسة البريطانية، كما أنه حرص على تسمية ما جرى في مصر بأنه ثورة في الوقت الذي كانت توصف فيه الأحداث من قبل الصحف العالمية والدبلوماسيين والرحالة بأنها «اضطرابات»، و«قلاقل»، و«أحداث مأساوية»، فخرج «السوربوني» على الرأي العام الأوروبي ليعلن أنها «الثورة المصرية»، بل ويذهب إلى أبعد من هذا عندما أراد أن يضعها في مصاف الثورات الكبرى المعروفة في العالم وعلى رأسها «الثورة الفرنسية»، وبالطبع منعت سلطات الاحتلال توزيع الكتاب في مصر.حسب ما جاء في بحث منشور للدكتورة نجلاء مكاوي الباحثة والمتخصصة في التاريخ فإن اسم الدكتور محمد صبري يأتي في مقدمة قائمة المؤرخين الذين حرصت مؤلفاتهم على دعم القضية الوطنية من خلال التاريخ، فقد كان «السوربوني» يرى أن الدور الأساسي للمؤرخ هو توظيف المعرفة التاريخية لخدمة قضايا الوطن، فكتب في هذا الإطار مؤلفه «المسألة المصرية منذ الحملة الفرنسية حتى ثورة 1919» الذي صدر الجزء الأول منه باللغة الفرنسية في عام 1920، ثم أصدر الجزء الثاني في عام 1921.تناول «السوربوني» في الجزء الأول تاريخ القضية المصرية منذ الحملة الفرنسية حتى ثورة 1919 ثم أفرد الجزء الثاني للجنة ملنر ومقاومة المصريين لها، وجاء الكتاب بجزئيه كأنه مذكرة دفاع مطولة تبرز وجهة النظر الوطنية المصرية أمام الأوروبيين، وفنَّد فيها «السوربوني» أكاذيب السياسة البريطانية الرسمية
كتب للمؤلف